بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدُ لله, والصَّلاة والسَّلامُ على رسول الله, أمَّا بعد:
فقبل أيام طرحتُ إشكالا حول استعمالات العرب للألفاظ في الكلام, هل هي حُجَّة, حيث قلت:
اقتباس:
ثُمَّ هناك إشكالٌ آخر: من المعلوم أنَّ المقَعِّدين لقواعد اللغة – سواء كانت في النحو أو الصَّرف أو الشِّعر.. – يضَعون قواعِدَهُم بعد الاستقراء والتَّتَبُّع لكلام العرب نَثرًا ونظما, ثُمَّ يُمَيِّزون اللُّغة القوية من الرديئة, والشَّهيرة من الشَّاذة, حتَّى بُحورُ الشِّعر وضعها الخليل بعد استِقرائه لشِعر العرب, ومن زادَ اعتمَد كذلك على الاستقراء.
فلماذا خولِف فحولُ شُعراءِ العرب في هذه المسألة, مع أنَّهُم أهل اللُّغة الذين يُصدرُ عن كلامِهم فيها؟؟
وبينما أنا أُطالِع في كتاب ابن الأثير (المثل السَّائر), وجدتُ له تفصيلا وتوضيحا وتبيانا لهذه المسألة.
قال في المثل السائر (ج1/ص 171):
((ولا يسبق وهمك أيها المتأمل إلى قول القائل الذي غلب عليه غلظ الطبع، وفجاجة الذهن بأن العرب كانت تستعمل من الألفاظ كذا وكذا، فهذا دليل على أنه حسن، بل ينبغي أن تعلم أن الذي نستحسنه نحن في زماننا هذا هو الذي كان عند العرب مستحسناً، والذي نستقبحه هو الذي كان عندهم مستقبحاً.
والاستعمال ليس بدليل على الحُسن، فإنما نحن نستعمل الآن من الكلام ما ليس بحسن، وإنما نستعمله لضرورة، فليس استعمال الحسن بممكن في كل الأحوال.
وهذا طريق يضل فيه غير العارف بمسالكه، ومن لم يعرف صناعة النظم والنثر وما يجده صاحبها من الكلام في صَوْغ الألفاظ واختيارها فإنه معذور في أن يقول ما قال:
لا يعرف الشوق إلا من يُكابِدُه *** ولا الصَّبابةَ إلا من يعانيها
ومع هذا فإن قول القائل بأن العرب كانت تستعمل من الألفاظ كذا وكذا وهذا دليل على أنه حسن قولٌ فاسد, لا يصدر إلا عن جاهل، فإنَّ استحسان الألفاظ واستقباحَها لا يؤخذ بالتقليد من العرب، لأنه شيء ليس للتقليد فيه مجال، وإنما هو شيء له خصائص وهيئات وعلامات إذا وجدت علم حسنه من قبحه، وقد تقدم الكلام على ذلك في باب الفصاحة والبلاغة.
وأما الذي تُقلَّد العربُ فيه من الألفاظ فإنما هو الاستشهاد بأشعارها على ما ينقل من لغتها، والأخذ بأقوالها في الأوضاع النحوية, في رفع الفاعل ونصب المفعول وجر المضاف إليه وجزم الشرط وأشباه ذلك، وما عداه فلا)). انتهى كلامه.
فمِن كلام ابن الأثير هذا نستخلِص أمورًا ثلاثة:
1 - أنَّ استِحسان الألفاظ واستقباحَها لا فرق فيه بيننا وبين العرب, وعليه فلا مجال لتقليدهم في ذلك
2 - أنَّ الذي نُقلِّد العرب فيه أمران:
أ - الاستشهاد بأشعارها على ما ينقل من لُغتها.
ب - الأخذ بأقوالها في الأوضاع النحوية (علم النحو).
3 - أنَّ استعمال العرب للقبيح من الألفاظ والأساليب يكون عند الضرورة.
و من هذا الإستخلاص الأخير يبقى الإشكال الآخر مطروحًا: هل كثرة استعمال العرب لشكلٍ أدبي أو شعري, يدلُّ على أنه من أساليبهم الحسنة في الكلام؟؟؟.
الحمدُ لله, والصَّلاة والسَّلامُ على رسول الله, أمَّا بعد:
فقبل أيام طرحتُ إشكالا حول استعمالات العرب للألفاظ في الكلام, هل هي حُجَّة, حيث قلت:
اقتباس:
ثُمَّ هناك إشكالٌ آخر: من المعلوم أنَّ المقَعِّدين لقواعد اللغة – سواء كانت في النحو أو الصَّرف أو الشِّعر.. – يضَعون قواعِدَهُم بعد الاستقراء والتَّتَبُّع لكلام العرب نَثرًا ونظما, ثُمَّ يُمَيِّزون اللُّغة القوية من الرديئة, والشَّهيرة من الشَّاذة, حتَّى بُحورُ الشِّعر وضعها الخليل بعد استِقرائه لشِعر العرب, ومن زادَ اعتمَد كذلك على الاستقراء.
فلماذا خولِف فحولُ شُعراءِ العرب في هذه المسألة, مع أنَّهُم أهل اللُّغة الذين يُصدرُ عن كلامِهم فيها؟؟
وبينما أنا أُطالِع في كتاب ابن الأثير (المثل السَّائر), وجدتُ له تفصيلا وتوضيحا وتبيانا لهذه المسألة.
قال في المثل السائر (ج1/ص 171):
((ولا يسبق وهمك أيها المتأمل إلى قول القائل الذي غلب عليه غلظ الطبع، وفجاجة الذهن بأن العرب كانت تستعمل من الألفاظ كذا وكذا، فهذا دليل على أنه حسن، بل ينبغي أن تعلم أن الذي نستحسنه نحن في زماننا هذا هو الذي كان عند العرب مستحسناً، والذي نستقبحه هو الذي كان عندهم مستقبحاً.
والاستعمال ليس بدليل على الحُسن، فإنما نحن نستعمل الآن من الكلام ما ليس بحسن، وإنما نستعمله لضرورة، فليس استعمال الحسن بممكن في كل الأحوال.
وهذا طريق يضل فيه غير العارف بمسالكه، ومن لم يعرف صناعة النظم والنثر وما يجده صاحبها من الكلام في صَوْغ الألفاظ واختيارها فإنه معذور في أن يقول ما قال:
لا يعرف الشوق إلا من يُكابِدُه *** ولا الصَّبابةَ إلا من يعانيها
ومع هذا فإن قول القائل بأن العرب كانت تستعمل من الألفاظ كذا وكذا وهذا دليل على أنه حسن قولٌ فاسد, لا يصدر إلا عن جاهل، فإنَّ استحسان الألفاظ واستقباحَها لا يؤخذ بالتقليد من العرب، لأنه شيء ليس للتقليد فيه مجال، وإنما هو شيء له خصائص وهيئات وعلامات إذا وجدت علم حسنه من قبحه، وقد تقدم الكلام على ذلك في باب الفصاحة والبلاغة.
وأما الذي تُقلَّد العربُ فيه من الألفاظ فإنما هو الاستشهاد بأشعارها على ما ينقل من لغتها، والأخذ بأقوالها في الأوضاع النحوية, في رفع الفاعل ونصب المفعول وجر المضاف إليه وجزم الشرط وأشباه ذلك، وما عداه فلا)). انتهى كلامه.
فمِن كلام ابن الأثير هذا نستخلِص أمورًا ثلاثة:
1 - أنَّ استِحسان الألفاظ واستقباحَها لا فرق فيه بيننا وبين العرب, وعليه فلا مجال لتقليدهم في ذلك
2 - أنَّ الذي نُقلِّد العرب فيه أمران:
أ - الاستشهاد بأشعارها على ما ينقل من لُغتها.
ب - الأخذ بأقوالها في الأوضاع النحوية (علم النحو).
3 - أنَّ استعمال العرب للقبيح من الألفاظ والأساليب يكون عند الضرورة.
و من هذا الإستخلاص الأخير يبقى الإشكال الآخر مطروحًا: هل كثرة استعمال العرب لشكلٍ أدبي أو شعري, يدلُّ على أنه من أساليبهم الحسنة في الكلام؟؟؟.
